أطلي على طرفي الدامع | خيالا من الكوكب الساطع
|
ظلا من الأغصن الحالمات | على ضفة الجدول الوادع
|
وطوفي أناشيد في خاطري | يناغين من حبّي الضائع
|
يفجّرن من قلبي المستفيض | ويقطرن في قلبي السامع
|
****** |
لعينيك للكوكبين اللذين | يصبان في ناظريّ الضياء
|
لنبعين، كالدهر، لا ينضبان | ولا يسقيان الحيارى الظماء
|
لعينيك ينثال بالأغنيات | فؤاد أطال انثيال الدماء
|
يودّ، إذا ما دعاك اللسان | على البعد لو ذاب فيه النداء
|
****** |
يطول انتظاري، لعلي أراك | لعلي، ألاقيك بين البشر
|
سألقاك. لا بد لي أن أراك | وإن كان بالناظر المحتضر
|
فديت التي صوّرتها مناي | وظل الكرى في هجير السهر
|
أطلي على من حباك الحياة | فأصبحت حسناء ملء النظر!
|
****** |
اطلّي فتاة هواي والخيال | على ناظر الرؤى عالق
|
بعشرين من ريقات السنين | عبرن المدرات في خافقي
|
بعشرين كلاّ وهبت الربيع | وما فيه من عمري العاشق
|
فما ظل إلا الربيع صغير | أخبّيه للموعد الرائق
|
****** |
سأروي على مسمعيك الغداة | أحاديث سمّيتهن الهوى
|
وأنباء قلب غريق السراب | شقيّ التداني ، كئيب النوى
|
أصيخي .. فهذي فتاة الحقول | وهذا غرام هناك انطوى
|
أتدرين عن ربة الراعيات ؟ | عن الريف ؟ عما يكون الجوى
|
****** |
هو الريف هل تبصرين النخيل ؟ | وهذي أغانيه هل تسمعين
|
وذاك الفتى شاعر في صباه | وتلك التي علمته الحنين
|
هي الفنّ من نبعت المستطاب | هي الحبّ من مستقاه الحزين
|
رآها تغني وراء القطيع | كـ( بنلوب ) تستمهل العاشقين
|
***** |
فما كان غير التقاء الفؤادين | في خفقة منهما عاتية
|
وما كان غير افترار الشفاة | بما يشبه البسمة الحانية
|
وكان الهوى ، ثم كان اللقاء | لقاء الحبيبين في ناحية
|
فما قال : أهواك ، حتى ترامى | عياء على ضفة الساقية
|
****** |
وأوفى على العاشقين الشتاء | ويوم دجا في ضحاه السحاب
|
خلا الغاب ما فيه إلا النّخيل | وإلا العصافير فهو ارتقاب
|
وبين الحبيبين في جانبيه | من السّعف في كل ممشى حجاب
|
فما كان إلا وميض أضاء | ذرى النخل وانحل غيم وذاب
|
****** |
ويا سدرة الغاب كيف استجارا | بأفنانك الناطفات المياه
|
رآها وقد بلّ من ثوبها | حيا زخ فاستقبلتها يداه
|
على الجدع يستدفئان الصدور | على موعد كل آه بآه
|
سلي الجدع كيف التصاق الصدور | بهزّاتها، وابتعاد الشفاة ؟
|
****** |
أشاهدت يا غاب رقص الضياء | على قطرة بين أهدابها ؟
|
ترى أهي تبكي بدمع السماء | أساها وأحزان أترابها ؟
|
ولكنّها كل نور الحقول | ودفء الشذى بين أعشابها
|
وأفراح كلّ العصافير فيها | وكلّ الفراشات في غابها
|
****** |
وذاك الخصام الذي لو يفدّي | لفديت ساعته بالوئام
|
أفدّيه من أجل يوم ترفّ | يد فيه أو لفتة بالسلام
|
ومن أجل عينين لا تستطيعان | ان تنظرا دون ظل ابتسام
|
تذوب له قسوة في الأسارير | كالصحو ينحل عنه الغمام
|
****** |
خصاماً ولما نعلّ الكؤوس ؟ | أحطّمتها قبل أن نسكرا ؟
|
خصاماً ، وما زال بعض الربيع | نديّاً على الصيف مخضوضرا ؟
|
خصاماً ؟ فهل تمنعين العيون | إذا لألأ النّور أن تنظرا؟
|
وهل توقفين انعكاس الخيال | من النهر، أن يملك المعبرا ؟
|
****** |
أغاني شبابتي تستبيك | وتدنيك مني، ففيم الجفاء ؟
|
كأن قوى ساحر تستبدّ | بأقدامك البيض، عند المساء
|
ويفضي بك الدّرب حيث استدار، | إلى موعدي بين ظلّ وماء
|
على الشطّ، بين ارتجاف القلوع | وهمس النخيل، وصمت السماء
|
****** |
وحجبت خدّيك عن ناظري | بكفيك حينا وبالمروحات
|
سأشدو وأشدو فما تصنعين | اذا احمر خدّاك للأغنيات ؟
|
وأرخيت كفيك مبهورتين | وأصغيت، واخضل حتى الموات
|
إلى أن يموت الشعاع الأخير | على الشرق، والحب، والأمنيات
|
****** |
وهيهات، إن الهوى لن يموت | ولكنّ بعض الهوى يأفل
|
كما تأفل الأنجم الساهرات | كما يغرب الناظر المسبل،
|
كما تستجمّ البحار الفساح | ملّيا، كما يرقد الجدول
|
كنوم اللظى، كانطواء الجناح | كما يصمت الناي والشمأل !
|
****** |
أعام مضى والهوى ما يزال | كما كان، لا يعتريه الفتور
|
أهذا هو الصيف يوفي علينا | فنلقاه ثانية، كالزهور
|
ولكنهمن زهور الخلود | فلا أظمأت ريّهنّ الحرور
|
ولا نال من لونهّن الشتاء | ولا استنزفت عطرهن الدهور
|
****** |
أغانيّ ، والغاب قفر الوكون | حبيس النسائم تحت الدوالي
|
ترى ماؤه، لاتّقاد الهجير | حريقا بما فوقه من ظلال
|
وفوق التعاشيب، حيث الغصون | ينؤن بأفيائهن الثقال
|
لها مضجع هدهدته العطور | أأبصرت كيف اضطجاع الجمال؟
|
****** |
أأمسيت استحضر الذكريات | وما كان بالأمس كل الحياة؟
|
أضاعت حياتي ؟ أغاب الغرام | أماتت على الأغنيات الشفاة؟
|
أنمسي، ومازال غاب النخيل | خضيلا وما زال فيه الرعاة،
|
حديثا على موقد لسامرين : | أحبّا، وخابا فوا حسرتاه؟
|
****** |
أناديك لو تسمعين النداء | وأدعوك أدعوك! يا للجنون
|
إذا رن في مسمعيك الغداة | من المهد صوت الرضيع الحنون
|
ونادى بك الزوّج أن ترضعيه | ونادى صدى أخفتته السنون
|
فما نفعها صرخة من لهيب | أدوّي بها ؟ من عساني أكون؟
|
****** |
أعفّرت من كبرياء النداء؟ | وأرجعت آمادي القهقرى؟
|
نسيت التي صورتها مناي | وناديت أنثى ككل الورى ؟
|
وأعرضت عن مسمع في السماء | إلى مسمع في تراب القرى !
|
أتصغي فتاة الهوى والخيال | وأدعو فتاة الهوى والثرى؟
|
****** |
وودعت سجواء بين الحقول | ودنيا عن الشر في معزل
|
وخلفت في كل ركن خصيل | من الريف ذكرى هوى أول
|
قصاصات أوراقي الهامسات | بشعري على ضفة الجدول
|
وجذعا كتبت اسمها الحلو فيه | ونايا يغني مع الشمأل
|
****** |
فمن هذه المسترق القلوب | صبى ملؤها روح الطافرة
|
أما كنت ودعت تلك العيون | الظليلات والخصلة النافرة؟
|
كأني ترشفت قبل الغداة | سنى هذه النظرة الآسرة !
|
أما كان في الريف شيء كهذا ؟ | اما تشبة الربة الغابرة؟!
|
****** |
مشى العمر ما بيننا فاصلا | فمن لي بأن أسبق الموعد ؟
|
ولكنه الحبّ منه الزمان | ثوان ومما احتواه المدى
|
أراها فانفض عنها السنين | كما تنفض الريح برد الندى
|
فتغدو وعمري أخو عمرها | ويستوقف المولد المولدا
|
****** |
وهل تسمع الشعر إن قلته | وفي مسمعيها ضجيج السنين
|
أطلت على السبع من قبل عشر | ين عاما وما كنّ إلا جنين ؟
|
وأمسى ولم تدر أنت الغرام | هواها حديث الورى أجمعين
|
لقد نبّأوها بهذا الهوى | فقالت : وما أكثر العاشقين ؟!
|
****** |
أمن قلبه انثال هذا النشيد | إليها، إلى الذئبة الضارية ؟
|
ولو لم يكن فيه طعم الدماء | ما استشعرت رنة القافية
|
وما زال تسبيه غمّازتان | تبوحان بالبسمة الخافية
|
وما زالتا تذكران الخيال | بما كان في الأعصر الخالية
|
****** |
وبالحب والغادة المستبد | صباها به ، يلعبان الورق
|
وكيف استكان الإله الصغير | فألقى سهام الهوى والحنق
|
رهان، رمى فيه غمّازتيه | وورد الخدود، ونور الحدق
|
لك الله ، كيف اقتحمت القرون | ولم يخب في وجنتيك الألق ؟
|
****** |
كأن ابتسامتها والربيع | شقيقتان ، لولا ذبول الزهر
|
أآذار ينثر تلك الورود | على ثغرها ؟ أم شعاع القمر ؟
|
ففي ثغرها افترّ كل الزمان | وما عمر آذار إلا شهر
|
وبالروح فديت تلك الشفاة | وإن أذكرتني بكاس القدر !
|
****** |
أطلي على طرفي الدامع | خيالا من الكوكب الساطع
|
وظلا من الأغصن الحالمات | على ضفة الجدول الوادع
|
وطوفي أناشيد في خاطري | يناغين من حبي الضائع
|
يفجرن من قلبي المستفيض | ويقطرن في قلبي السامع |